وتنكير ( قتال ) مراد به العموم، إذ ليس المسؤول عنه قتالاً معيناً ولا في شهر معين، بل المراد هذا الجنس في هذا الجنس. و( فيه ) ظرف صفة لقتال مخصصة له.
وقوله :﴿قل قتال فيه كبير﴾ إظهار لفظ القتال في مقام الإضمار ليكون الجواب صريحاً حتى لا يتوهم أن الشهر الحرام هو الكبير، وليكون الجواب على طبق السؤال في اللفظ، وإنما لم يعرف لفظ القتال ثانياً باللام مع تقدم ذكره في السؤال، لأنه قد استغنى عن تعريفه باتحاد الوصفين في لفظ السؤال ولفظ الجواب وهو ظرف ( فيه )، إذ ليس المقصود من تعريف النكرة باللام إذا أعيد ذكرها إلاّ التنصيصَ على أن المراد بها تلك الأولى لا غيرها، وقد حصل ذلك بالوصف المتحد، قال التفتازاني : فالمسؤول عنه هو المجاب عنه وليس غيره كما توهم بناء على أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، لأن هذا ليس بضربة لازم يريد أن ذلك يتبع القرائن.
والجواب تشريع إن كان السؤال من المسلمين، واعتراف وإبكات إن كان السؤال إنكاراً من المشركين، لأنهم توقعوا أن يجيبهم بإباحة القتال فيثَوِّروا بذلك العرب ومن في قلبه مرض. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٢٥﴾

فصل


اتفق الجمهور على أن حكم هذه الآية حرمة القتال في الشهر الحرام ثم اختلفوا أن ذلك الحكم هل بقي أم نسخ فنقل عن ابن جريج أنه قال : حلف لي عطاء بالله أنه لا يحل للناس الغزو في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا على سبيل الدفع، روى جابر قال : لم يكن رسول الله ـ ﷺ ـ يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى وسئل سعيد بن المسيب هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام ؟ قال نعم، قال أبو عبيد : والناس بالثغور اليوم جميعاً على هذا القول يرون الغزو مباحاً في الشهور كلها، ولم أر أحداً من علماء الشام والعراق ينكره عليهم كذلك حسب قول أهل الحجاز.


الصفحة التالية