" فوائد لغوية وإعرابية "
المس حقيقته : اتصال الجسم بجسم آخر وهو مجاز في إصابة الشيء وحلوله، فمنه مس الشيطان أي حلول ضُر الجنة بالعقل، ومسُّ سَقر : ما يصيب من نارها، ومسَّه الفقر والضر : إذا حل به، وأكثر ما يطلق في إصابة الشر قال تعالى :﴿وإذا مس الإنسان ضر دعا﴾ ﴿الزمر : ٨ ] {وإذا مس الإنسان الضر دعانا﴾ ﴿يونس : ١٢ ] {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض﴾ ﴿فصلت : ٥١ ] {ولا تمسوها بسوء﴾ ﴿الأعراف : ٧٣ ] فالمعنى هنا : حلت بهم البأساء والضراء. وقد تقدم القول في البأساء والضراء عند قوله تعالى :{والصابرين في البأساء والضراء﴾ ﴿البقرة : ١٧٧ ].
وقوله :{وزلزلوا﴾
أي أزعجوا أو اضطربوا، وإنما الذي اضطرب نظام معيشتهم، قال تعالى :﴿هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً﴾ ﴿الأحزاب : ١١ ]، والزلزلة تحرك الجسم من مكانه بشدة، ومنه زلزال الأرض، فوزن زلزل فُعفِل، والتضعيف فيه دال على تكرر الفعل كما قال تعالى :{فكبكبوا فيها﴾ ﴿الشعراء : ٩٤ ] وقالوا لَمْلَم بالمكان إذا نَزل به نزولَ إقامة.
و{ حتى﴾
غاية للمس والزلزالِ، أي بلغ بهم الأمر إلى غاية يقول عندها الرسول والذين معه متى نصر الله.
ولما كانت الآية مخبرة عن مسَ حل بمن تقدم من الأمم ومنذرة بحلول مثله بالمخاطَبين وقت نزول الآية، جاز في فعل يَقُول أن يعتبر قولَ رسول أمة سابقة أي زلزلوا حتى يقول رسول المزلْزَلين ف ﴿ال للعهد، أو حتى يقول كلُّ رسول لأمة سبقت فتكون أل للاستغراق، فيكون الفعل محكياً به تلك الحالة العجيبة فيرفَع بعد حتى ؛ لأن الفعل المراد به الحال يكون مرفوعاً، وبرفععِ الفعل قرأ نافع وأبو جعفر، وجاز فيه أن يعتبر قول رسول المخاطَبين عليه السلام فأَلْ فيه للعهد والمعنى : وزلزلوا وتزلزلون مثلهم حتى يقول الرسول فيكون الفعل منصوباً ؛ لأن القول لمَّا يقَعْ وقتئذ، وبذلك قرأ بقية العشرة، فقراءة الرفع أنسب بظاهر السياق وقراءة النصب أنسب بالغرض المسوق له الكلام، وبكلتا القراءتين يحصل كلا الغرضين.
ومتى استفهام مستعمل في استبطاء زمان النصر. أ هـ {التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣١٦﴾

لطيفة لغوية
قال أبو العبَّاس المقريُّ : ورد لفظ " الضُّرِّ " في القرآن على أربعة أوجهٍ :
الأول : الضُّرُّ : الفقر ؛ كهذه الآية، ومثله :﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ﴾ ﴿يونس : ١٢ ]، وقوله تعالى :{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر﴾ ﴿النحل : ٥٣ ] أي : الفقر.
الثاني : الضّرّ : القحط ؛ قال تعالى :{إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأسآء والضرآء﴾
﴿الأعراف : ٩٤ ] أي : قحطوا.
أو قوله تعالى :{وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ﴾
﴿يونس : ٢١ ] أي : قحط.
الثالث : الضُّرُّ : المرض ؛ قال تعالى :{وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ﴾
﴿يونس : ٢٠٧ ] أي : بمرض.
الرابع : الضر : الأهوال ؛ قال تعالى :{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر﴾
﴿الإسراء : ٦٧ ]. أ هـ {تفسير ابن عادل حـ ٣ صـ ٥١٣ ـ ٥١٤﴾


الصفحة التالية
Icon