في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان الأول : أن عبد الله بن جحش قال : يا رسول الله هب أنه لا عقاب فيما فعلنا، فهل نطمع منه أجراً وثواباً فنزلت هذه الآية، لأن عبد الله كان مؤمناً، وكان مهاجراً، وكان بسبب هذه المقاتلة مجاهداً والثاني : أنه تعالى لما أوجب الجهاد من قبل بقوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ ﴿البقرة : ٢١٦ ] وبين أن تركه سبب للوعيد أتبع ذلك بذكر من يقوم به فقال :{إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَاجَرُواْ وجاهدوا فِي سَبِيلِ الله﴾ ولا يكاد يوجد وعيد إلا ويعقبه وعد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٣٤﴾
قال ابن عاشور :
والذي يظهر لي أن تعقيب ما قبلها بها من باب تعقيب الإنذار بالبشارة وتنزيه للمؤمنين من احتمال ارتدادهم فإن المهاجرين لم يرتد منهم أحد. وهذه الجملة معترضة بين آيات التشريع. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٣٧﴾
فصل
﴿ هاجروا﴾ أي فارقوا أوطانهم وعشائرهم، وأصله من الهجر الذي هو ضد الوصل، ومنه قيل للكلام القبيح : هجر، لأنه مما ينبغي أن يهجر، والهاجرة وقت يهجر فيه العمل، والمهاجرة مفاعلة من الهجرة، وجاز أن يكون المراد منه أن الأحباب والأقارب هجروه بسبب هذا الدين، وهو أيضاً هجرهم بهذا السبب، فكان ذلك مهاجرة، وأما المجاهدة فأصلها من الجهد الذي هو المشقة، ويجوز أن يكون معنى المجاهدة أن يضم جهده إلى جهد آخر في نصرة دين الله، كما أن المساعدة عبارة عن ضم الرجل ساعده إلى ساعد آخر ليحصل التأييد والقوة، ويجوز أن يكون المراد من المجاهدة بذل الجهد في قتال العدو، وعند فعل العدو، ومثل ذلك فتصير مفاعلة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٣٤﴾
قال ابن عاشور :