(أَمْ) هَاهُنَا هِيَ الْوَاقِعَةُ فِي طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهِيَ تُشْعِرُ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فِي وَصْفِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِنَا وَمَا نَالُوا مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ أُمَمٌ أُوتُوا الْكِتَابَ وَدُعُوا إِلَى الْحَقِّ فَآذَاهُمُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَصَبَرُوا وَثَبَتُوا. أَفَتَصْبِرُونَ مِثْلَهُمْ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَتَثْبُتُونَ ثَبَاتَهُمْ عَلَى الشَّدَائِدِ ؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلْوا الْجَنَّةَ وَتَنَالُوا رِضْوَانَ اللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْتَنُوا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ فَتَصْبِرُوا عَلَى أَلَمِ الْفِتْنَةِ وَتُؤْذَوْا فِي اللهِ فَتَصْبِرُوا عَلَى الْإِيذَاءِ كَمَا هِيَ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي أَنْصَارِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْهِدَايَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ؟ قَرَّرَ الْأُسْتَاذُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ : إِنَّهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ مِنَ الْآيَةِ يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِ كُلِّ قَارِئٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ كُلُّ أَحَدٍ التَّعْبِيرَ عَنْهُ، وَإِذَا جَعَلْتَ (أَمْ) بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ وَالِاسْتِفْهَامِ مَعًا كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يَمْلِكُ النَّفْسَ وَيُؤَثِّرُ فِي الْوِجْدَانِ.
قِيلَ : إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ حِينَ غَلَبَ الْمُشْرِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَشَجُّوا رَأْسَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ. وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ إِذِ اجْتَمَعَ