وَمِنْ خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ :(الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَّنَ الْكَاذِبِينَ) - إِلَى قَوْلِهِ - (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ) (٢٩ : ١ - ١٠) فَهَذِهِ الْآيَاتُ وَأَمْثَالُهَا تُؤَيِّدُ الْآيَةَ الَّتِي نُفَسِّرُهَا فِي ابْتِلَاءِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الدَّاعِينَ إِلَى الْحَقِّ، وَلَكِنَّكَ تَجِدُ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تُتْلَى عَلَيْهِمْ دَائِمًا فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، فَمَنْ لَمْ يَغْفُلْ عَنْ تَصَوُّرِ الْمَعْنَى فِي ذِهْنِهِ يَغْفُلُ عَنِ انْطِبَاقِهِ عَلَى الْوَاقِعِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ مَنْ يُؤْذَى فِي سَبِيلِ الْحَقِّ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ كَانَ وُقُوعُ الْأَذَى عَلَيْهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُبْطِلٌ لَا يَطْلُبُ الْحَقَّ ! ! فَمَا أَجْهَلَهُمْ بِكِتَابِ اللهِ ! وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنِ الْعِلْمِ بِسُنَنِ اللهِ ! وَمَا أَغْفَلَهُمْ عَنْ تَأْوِيلِهِمَا فِي خَلْقِ اللهِ !
اتَّخَذَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا إِلَّا مَا يَتَغَنَّوْنَ بِهِ مِنْ بَعْضِ سُوَرِهِ فِي الْمَحَافِلِ الْجَامِعَةِ، فَفَقَدُوا رُوحَ الدِّينِ، وَتَبِعَ الرُّوحَ الْجُسْمَانُ، إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الرُّسُومِ الْمَاثِلَةِ فِي جَانِبِ بُرُوجِ


الصفحة التالية
Icon