الْعَامِّيُّ الْمُقَلِّدُ يُعَظِّمُهُمْ فِي خَيَالِهِ وَشُعُورِهِ أَشَدُّ مِمَّا يُعَظِّمُهُمُ الْعَارِفُ فِي فِكْرِهِ وَقَلْبِهِ، حَتَّى إِنَّ الْكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَكَادُونَ يَرْفَعُونَهُمْ عَنْ مَرْتَبَةِ الْبَشَرِ، وَيَكَادُ تَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهُمْ يُشْبِهُ الْعِبَادَةَ، وَلَكِنْ مَا بَالُ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ لَا يَعْتَبِرُونَ بِمَا خَاطَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَتَأَلَّمُونَ كَيْفَ عَاتَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى هَذَا الْعِتَابَ الشَّدِيدَ عَلَى ظَنِّهِمْ وَحُسْبَانِهِمْ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَهُمْ لَمْ يُقَاسُوا مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَاحْتِمَالِ الشَّدَائِدِ فِي سَبِيلِهِ مَا قَاسَى الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ بِالْإِيمَانِ، حَتَّى اسْتَحَقُّوا الْجَنَّةَ ؟ يَقُولُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ الْآيَةَ عِتَابٌ لَهُمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ. فَكَيْفَ لَا يُنْكِرُ مُسْلِمٌ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلَ هَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ دُونَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ إِيمَانًا وَإِسْلَامًا وَدَعْوَةً إِلَى الْحَقِّ وَصَبْرًا عَلَى الْمَكَارِهِ فِي سَبِيلِهِ ؟ لِمَاذَا لَا يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ يَرَاهُ مِنْ أَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ، فَإِذَا أُوذِيَ أَحَدُهُمْ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ، وَآثَرَ مَا عِنْدَ النَّاسِ عَلَى مَا عِنْدَ اللهِ ؟ بَلْ لِمَاذَا لَا يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ يَرَاهُمْ لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا زِينَةَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْمَالِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ،


الصفحة التالية
Icon