وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا وَأَغْرَبُ أَنَّهُمْ بَلَغُوا مِنَ الْوَقَاحَةِ وَالتَّهَجُّمِ أَنْ صَارُوا يُعَارِضُونَ حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، وَأَنْصَارَ السُّنَّةِ، وَعُرَفَاءَ الشَّرِيعَةِ، وَحُجَجَ الْعَقَائِدِ، وَحُكَمَاءَ الْأَحْكَامِ، وَيُجَادِلُونَهُمْ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ، وَقَدْ حَلُّوا رَابِطَةَ الدِّينِ وَدَعَوْا إِلَى رَابِطَةٍ أُخْرَى يُسَمُّونَهَا الْوَطَنِيَّةَ يُفَرِّقُونَ بِهَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَا جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا جَهْلُ الْعَامَّةِ وَقِلَّةُ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَالْأَدْعِيَاءِ الْجَاهِلِينَ، وَلَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْإِيمَانِ لَاسْتَحْيَوْا مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَدَّعُوا هَذِهِ الدَّعَاوَى الَّتِي يُكَذِّبُهُمْ بِهَا كِتَابُهُ كَمَا تُكَذِّبُهُمْ سِيرَةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، لَكِنَّهُمْ لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا الْعَامَّةُ الَّتِي يَبْتَغُونَ عِنْدَهَا الرِّزْقَ وَالِاسْتِعْلَاءَ فِي الْأَرْضِ، وَهُمْ فِي مَأْمَنٍ مِنْ فَهْمِهَا مَعْنَى الْإِيمَانِ وَصِفَاتِ أَهْلِهِ; لِأَنَّهُمْ يَحُولُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كُلِّ مَنْ يُوَجِّهُ وَجْهَهَا إِلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى الْهَادِي إِلَى ذَلِكَ.


الصفحة التالية
Icon