والجواب عن الأول : أن قوله تعالى :﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ نكرة في الإثبات، فلم قلتم : إن ذلك السكر والرزق الحسن هو هذا النبيذ ؟ ثم أجمع المفسرون على أن تلك الآية كانت نازلة قبل هذه الآيات الثلاث الدالة على تحريم الخمر، فكانت هذه الثلاثة إما ناسخة، أو مخصصة لها.
وأما الحديث فلعل ذلك النبيذ كان ماءً نبذت تمرات فيه لتذهب الملوحة فتغير طعم الماء قليلاً إلى الحموضة، وطبعه عليه السلام كان في غاية اللطافة، فلم يحتمل طبعه الكريم ذلك الطعم، فلذلك قطب وجهه، وأيضاً كان المراد بصب الماء فيه إزالة ذلك القذر من الحموضة أو الرائحة، وبالجملة فكل عاقل يعلم أن الإعراض عن تلك الدلائل التي ذكرناها بهذا القدر من الاستدلال الضعيف غير جائز.
وأما آثار الصحابة فهي متدافعة متعارضة، فوجب تركها والرجوع إلى ظاهر كتاب الله وسنة الرسول عليه السلام، فهذا هو الكلام في حقيقة الخمر.
المقام الثاني : في بيان أن هذه الآية دالة على تحريم الخمر وبيانه من وجوه الأول : أن الآية دالة على أن الخمر مشتملة على الإثم، والإثم حرام لقوله تعالى :﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغى﴾ [ الأعراف : ٣٣ ] فكان مجموع هاتين الآيتين دليلاً على تحريم الخمر الثاني : أن الإثم قد يراد به العقاب، وقد يراد به ما يستحق به العقاب من الذنوب، وأيهما كان فلا يصح أن يوصف به إلا المحرم الثالث : أنه تعالى قال :﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ صرح برجحان الإثم والعقاب، وذلك يوجب التحريم.
فإن قيل : الآية لا تدل على أن شرب الخمر إثم، بل تدل على أن فيه إثماً، فهب أن ذلك الإثم حرام فلم قلتم : إن شرب الخمر لما حصل فيه ذلك الإثم وجب أن يكون حراماً ؟.