واللام بمعنى " إلى " أي هداهم إلى ما اختلفوا فيه كقوله تعالى ﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ [ المجادلة : ٣ ] أي إلى ما قالوه ﴿ بإذنه ﴾ قال الزجاج : بعلمه. وقيل : بأمره فبالأمر يحصل التمييز بين الحق والباطل فتحصل الهداية. وقيل : في الآية إضمار أي فهداهم فاهتدوا بإذنه إذ لا جائز أن يأذن لنفسه ﴿ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ هو الحق الموصل إلى كمال الدارين، أو هو طلب الجنة. ولما كان ذلك الحق أو الطلب لا يتأتى إلا باحتمال شدائد التكليف وأعباء الإرشاد والتعليم قال سبحانه :﴿ أم حسبتم ﴾ على طريقة الالتفات التي هي أبلغ تشجيعاً لرسول الله ﷺ والمؤمنين على الثبات والصبر مع المخالفين من أهل الكتاب والمشركين، فإن من كان نظره أعلى في مراتب قرب المولى فبلاؤه أقوى وهو بالابتلاء أولى. قال في الكشاف :" أم " منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير وإنكار الحسبان واستبعاده. وقال القفال رضي الله عنه : تقدير الآية : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه حين صبروا على استهزاء قومهم أفتسلكون سبيلهم أم تحسبون ﴿ أن تدخلوا الجنة ﴾ من غير سلوك سبيلهم ﴿ ولما يأتكم ﴾ فيه معنى التوقع. وفيه دليل على أن الإيتاء متوقع منتظر. عن ابن عباس : لما دخل النبي ﷺ المدينة اشتد الضرر عليهم لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم في أيدي المشركين، وأظهرت اليهود العداوة له فأنزل الله تعالى تطييباً لقلوبهم ﴿ أم حسبتم ﴾ وقال قتادة والسدي : نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والخوف وكان كما قال سبحانه ﴿ وبلغت القلوب الحناجر ﴾ [ الأحزاب : ١٠ ] وقيل : نزلت في حرب أحد لما قال عبد الله ابن أبي لأصحاب النبي ﷺ إلى متى تقتلون أنفسكم وتنصرون الباطل؟ لو كان محمد نبياً ما سلط الله عليكم الأسر والقتل. والمعنى أم حسبتم أيها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة


الصفحة التالية
Icon