إنها لمسة تكمل ملامح الصورة، وتزيد في قسماتها وتمييزها بذاتها.. وتدع هذا النموذج حياً يتحرك. تقول في غير تردد : هذا هو. هذا هو الذي عناه القرآن! وأنت تراه أمامك ماثلا في الأرض الآن وفي كل آن!
وفي مواجهة هذا الاعتزاز بالإثم ؛ واللدد في الخصومة ؛ والقسوة في الفساد ؛ والفجور في الإفساد.. في مواجهة هذا كله يجبهه السياق باللطمة اللائقة بهذه الجبلة النكدة :
﴿ فحسبه جهنم ولبئس المهاد! ﴾..
حسبه! ففيها الكفاية! جهنم التي وقودها الناس والحجارة. جهنم التي يكبكب فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون. جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة. جهنم التي لا تبقي ولا تذر. جهنم التي تكاد تميز من الغيظ! حسبه جهنم ﴿ ولبئس المهاد! ﴾ ويا للسخرية القاصمة في ذكر ﴿ المهاد ﴾ هنا.. ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء!
... ذلك نموذج من الناس. يقابله نموذج آخر على الطرف الآخر من القياس :
﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. والله رؤوف بالعباد ﴾..
ويشري هنا معناها يبيع. فهو يبيع نفسه كلها لله ؛ ويسلمها كلها لا يستبقي منها بقية، ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله. ليس له فيها شيء، وليس له من ورائها شيء. بيعة كاملة لا تردد فها ولا تلفت ولا تحصيل ثمن، ولا استبقاء بقية لغير الله.. والتعبير يحتمل معنى آخر يؤدي إلى نفس الغاية.. يحتمل أن يشتري نفسه بكل أعراض الحياة الدنيا، ليعتقها ويقدمها خالصة لله، لا يتعلق بها حق آخر إلا حق مولاه. فهو يضحي كل أعراض الحياة الدنيا ويخلص بنفسه مجردة لله. وقد ذكرت الروايات سبباً لنزول هذه الآية يتفق مع هذا التأويل الأخير :


الصفحة التالية
Icon