إن القصد من ذكر الأمم السالفة حيثما وقع في القرآن هو العبرة والموعظة والتحذير من الوقوع فيما وقعوا فيه بسوء عملهم والاقتداءُ في المحامد، فكان في قوله تعالى :﴿كان الناس أمة واحدة﴾ الآية إجمال لذلك وقد ختم بقوله ﴿فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه﴾، ولما كان هذا الختام منقبة للمسلمين أُوقِظوا أنْ لا يُزْهَوْا بهذا الثناء فيحسبوا أنهم قضَوْا حق شكر النعمة فعقب بأن عليهم أن يصبروا لما عسى أن يعترضهم في طريق إيمانهم من البأساء والضراء اقتداء بصالحي الأمم السالفة، فكما حذرهم الله من الوقوع فيما وقع فيه الضالون من أولئك الأمم حرضهم هنا على الاقتداء بهدي المهتدين منهم على عادة القرآن في تعقيب البشارة بالنذارة وعكس ذلك، فيكون قوله :﴿أم حسبتم﴾ إضراباً عن قوله :﴿فهدى الله الذين آمنوا﴾ وليكون ذلك تصبيراً لهم على ما نالهم يوم الحديبية من تطاول المشركين عليهم بمنعهم من العُمرة وما اشترطوا عليهم للعام القابل، ويكون أيضاً تمهيداً لقوله :﴿كتب عليكم القتال﴾ ﴿البقرة : ٢١٦ ] الآية، وقد روي عن أكثر المفسرين الأولين أن هذه الآية نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجَهد والشدائد فتكون تلك الحادثة زيادة في المناسبة. أ هـ {التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣١٣﴾


الصفحة التالية
Icon