ليس هنالك حل وسط، ولا منهج بين بين، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك! إنما هناك حق وباطل. هدى وضلال. إسلام وجاهلية. منهج الله أو غواية الشيطان. والله يدعو المؤمنين في الأولى إلى الدخول في السلم كافة ؛ ويحذرهم في الثانية من اتباع خطوات الشيطان. ويستجيش ضمائرهم ومشاعرهم، ويستثير مخاوفهم بتذكيرهم بعداوة الشيطان لهم، تلك العداوة الواضحة البينة، التي لا ينساها إلا غافل. والغفلة لا تكون مع الإيمان.
ثم يخوفهم عاقبة الزلل بعد البيان :
﴿ فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ﴾.
وتذكيرهم بأن الله ﴿ عزيز ﴾ يحمل التلويح بالقوة والقدرة والغلبة، وأنهم يتعرضون لقوة الله حين يخالفون عن توجيهه.. وتذكيرهم بأنه ﴿ حكيم ﴾. فيه إيحاء بأن ما اختاره لهم هو الخير، وما نهاهم عنه هو الشر، وأنهم يتعرضون للخسارة حين لا يتبعون أمره ولا ينتهون عما نهاهم عنه.. فالتعقيب بشطريه يحمل معنى التهديد والتحذير في هذا المقام..
بعد ذلك يتخذ السياق أسلوباً جديداً في التحذير من عاقبة الانحراف عن الدخول في السلم واتباع خطوات الشيطان. فيتحدث بصيغة الغيبة بدلاً من صيغة الخطاب :
﴿ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة؟ وقضي الأمر، وإلى الله ترجع الأمور ﴾..
وهو سؤال استنكاري عن علة انتظار المترددين المتلكئين الذين لا يدخلون في السلم كافة. ما الذي يقعد بهم عن الاستجابة؟ ماذا ينتظرون؟ وماذا يرتقبون؟ تراهم سيظلون هكذا في موقفهم حتى يأتيهم الله - سبحانه - في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة؟ وبتعبير آخر : هل ينتظرون ويتلكأون حتى يأتيهم اليوم الرعيب الموعود، الذي قال الله سبحانه : إنه سيأتي فيه في ظلل من الغمام، ويأتي الملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً؟