ولكن هذا الميزان الذي يزن الكافرون به القيم ليس هو الميزان.. إنه ميزان الأرض. ميزان الكفر. ميزان الجاهلية.. أما الميزان الحق فهو في يد الله سبحانه. والله يبلغ الذين آمنوا حقيقة وزنهم في ميزانه :
﴿ والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ﴾..
هذا هو ميزان الحق في يد الله. فليعلم الذين آمنوا قيمتهم الحقيقية في هذا الميزان. وليمضوا في طريقهم لا يحفلون سفاهة السفهاء، وسخرية الساخرين، وقيم الكافرين.
. إنهم فوقهم يوم القيامة. فوقهم عند الحساب الختامي الأخير. فوقهم في حقيقة الأمر بشهادة الله أحكم الحاكمين.
والله يدخر لهم ما هو خير، وما هو أوسع من الرزق. يهبهم إياه حيث يختار ؛ في الدنيا أو في الآخرة، أو في الدارين وفق ما يرى أنه لهم خير :
﴿ والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾..
وهو المانح الوهاب يمنح من يشاء، ويفيض على من يشاء لا خازن لعطائه ولا بوّاب! وهو قد يعطي الكافرين زينة الحياة الدنيا لحكمة منه، وليس لهم فيما أعطوا فضل. وهو يعطي المختارين من عباده ما يشاء في الدنيا أو في الآخرة.. فالعطاء كله من عنده. واختياره للأخيار هو الأبقى والأعلى..
وستظل الحياة أبداَ تعرف هذين النموذجين من الناس.. تعرف المؤمنين الذين يتلقون قيمهم وموازينهم وتصوراتهم من يد الله ؛ فيرفعهم هذا التلقي عن سفساف الحياة وأعراض الأرض، واهتمامات الصغار ؛ وبذلك يحققون إنسانيتهم ؛ ويصبحون سادة للحياة، لا عبيداً للحياة.. كما تعرف الحياة ذلك الصنف الآخر : الذين زينت لهم الحياة الدنيا، واستعبدتهم أعراضها وقيمها ؛ وشدتهم ضروراتهم وأوهاقهم إلى الطين فلصقوا به لا يرتفعون!
وسيظل المؤمنون ينظرون من عل إلى أولئك الهابطين ؛ مهما أوتوا من المتاع والأعراض. على حين يعتقد الهابطون أنهم هم الموهوبون، وأن المؤمنين هم المحرومون ؛ فيشفقون عليهم تارة ويسخرون منهم تارة. وهم أحق بالرثاء والإشفاق..