وثالثها : يحتمل أن يكون المراد أنهم سألوا هذا السؤال فكأنهم قيل لهم : هذا السؤال فاسد أنفق أي شيء كان ولكن بشرط أن يكون مالاً حلالاً وبشرط أن يكون مصروفاً إلى المصرف وهذا مثل ما إذا كان الإنسان صحيح المزاج لا يضره أكل أي طعام كان، فقال للطبيب : ماذا آكل ؟ فيقول الطبيب : كل في اليوم مرتين، كان المعنى : كل ما شئت لكن بهذا الشرط كذا ههنا المعنى : أنفق أي شيء أردت بشرط أن يكون المصرف ذلك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٢١﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ماذا﴾ استفهام عن المنفق ( بفتح الفاء ) ومعنى الاستفهام عن المنفق السؤال عن أحواله التي يقع بها موقع القبول عند الله، فإن الإنفاق حقيقة معروفة في البشر وقد عرفها السائلون في الجاهلية. فكانوا في الجاهلية ينفقون على الأهل وعلى الندامى وينفقون في الميسر، يقولون فلان يتمم أيساره أي يدفع عن أيساره أقساطهم من مال المقامرة ويتفاخرون بإتلاف المال. فسألوا في الإسلام عن المعتدِّ به من ذلك دون غيره، فلذلك طابق الجوابُ السؤال إذ أجيب :﴿قُل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين﴾، فجاء ببيان مصارف الإنفاق الحق وعرف هذا الجنس بمعرفة أفراده، فليس في هذا الجواب ارتكاب الأسلوب الحكيم كما قيل، إذ لا يعقل أن يسألوا عن المال المنفق بمعنى السؤال عن النوع الذي ينفق من ذهب أم من ورق أم من طعام، لأن هذا لا تتعلق بالسؤال عنه أغراض العقلاء، إذ هم يعلمون أن المقصد من الإنفاق إيصال النفع للمنفق عليه، فيتعين أن السؤال عن كيفيات الإنفاق ومواقعه، ولا يريبكم في هذا أن السؤال هنا وقع بما وهي يسأل بها عن الجنس لا عن العوارض، فإن ذلك اصطلاح منطقي لتقريب ما ترجموه من تقسيمات مبنية على اللغة اليونانية وأخذ به السكاكي، لأنه يحفل باصطلاح أهل المنطق وذلك لا يشهد له الاستعمال العربي. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣١٧ ـ ٣١٨﴾

فصل



الصفحة التالية
Icon