وقوله :﴿فانكحن﴾ لا يحتمل إلا الأمر بالعقد، لأنه قال :" لا تقربن جارة" يعني مقاربتها على الطريق الذي يحرم فاعقد وتزوج وإلا فتأيم وتجنب النساء، وقال الجمهور من أصحاب أبي حنيفة : أنه حقيقة في الوطء، واحتجوا عليه بوجوه أحدها : قوله تعالى :﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ نفي الحل ممتد إلى غاية النكاح، والنكاح الذي تنتهي به هذه الحرمة ليس هو العقد بدليل قوله عليه الصلاة والسلام :" لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " فوجب أن يكون المراد منه هو الوطء وثانيها : قوله عليه الصلاة والسلام :" ناكح اليد ملعون وناكح البهيمة ملعون " أثبت النكاح مع عدم العقد وثالثها : أن النكاح في اللغة عبارة عن الضم والوطء، يقال : نكح المطر الأرض إذا وصل إليها، ونكح النعاس عينه، وفي المثل أنكحنا الفرا فسترى، وقال الشاعر :
التاركين على طهر نساءهم.. والناكحين بشطي دجلة البقرا
وقال المتنبي :
أنكحت صم حصاها خف يعملة.. تعثرت بي إليك السهل والجبلا
ومعلوم أن معنى الضم والوطء في المباشرة أتم منه في العقد، فوجب حمله عليه، ومن الناس من قال : النكاح عبارة عن الضم، ومعنى الضم حاصل في العقد وفي الوطء، فيحسن استعمال هذا اللفظ فيهما جميعاً، قال ابن جني : سألت أبا علي عن قولهم : نكح المرأة، فقال : فرقت العرب في الاستعمال فرقاً لطيفاً حتى لا يحصل الالتباس، فإذا قالوا : نكح فلان فلانة : أرادوا أنه تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته، لم يريدوا غير المجامعة، لأنه إذا ذكر أنه نكح امرأته أو زوجته فقد استغنى عن ذكر العقد، فلم تحتمل الكلمة غير المجامعة، فهذا تمام ما في هذا اللفظ من البحث، وأجمع المفسرون على أن المراد من قوله :﴿وَلاَ تَنْكِحُواْ﴾ في هذه الآية أي لا تعقدوا عليهن عقد النكاح. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٤٨﴾


الصفحة التالية
Icon