ورابعها : ما روي أنه عليه الصلاة والسلام أمر أميراً وقال : إذا لقيت عدداً من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وإن أبوا فادعهم إلى الجزية وعقد الذمة، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، سمى من يقبل منه الجزية وعقد الذمة بالمشرك، فدل على أن الذمي يسمى بالمشرك وخامسها : ما احتج به أبو بكر الأصم فقال : كل من جحد رسالته فهو مشرك، من حيث إن تلك المعجزات التي ظهرت على يده كانت خارجة عن قدرة البشر، وكانوا منكرين صدورها عن الله تعالى، بل كانوا يضيفونها إلى الجن والشياطين، لأنهم كانوا يقولون فيها : إنها سحر وحصلت من الجن والشياطين، فالقوم قد أثبتوا شريكاً لله سبحانه في خلق هذه الأشياء الخارجة عن قدرة البشر، فوجب القطع بكونهم مشركين لأنه لا معنى للإله إلا من كان قادراً على خلق هذه الأشياء، واعترض القاضي فقال : إنما يلزم هذا إذا سلم اليهودي أن ما ظهر على يد محمد ﷺ من الأمور الخارجة عن قدرة البشر، فعند ذلك إذا أضافه إلى غير الله تعالى كان مشركاً، أما إذا أنكر ذلك وزعم أن ما ظهر على يد محمد ﷺ من جنس ما يقدر العباد عليه لم يلزم أن يكون مشركاً بسبب ذلك إلى غير الله تعالى.
والجواب : أنه لا اعتبار بإقراره أن تلك المعجزات خارجة عن مقدور البشر أم لا، إنما الاعتبار يدل على أن ذلك المعجز خارج عن قدرة البشر، فمن نسب ذلك إلى غير الله تعالى كان مشركاً، كما أن إنساناً لو قال : إن خلق الجسم والحياة من جنس مقدور البشر ثم أسند خلق الحيوان والنبات إلى الأفلاك والكواكب كان مشركاً فكذا ههنا، فهذا مجموع ما يدل على أن اليهودي والنصراني يدخلان تحت اسم المشرك، واحتج من أباه بأن الله تعالى فصل بين أهل الكتاب وبين المشركين في الذكر، وذلك يدل على أن أهل الكتاب لا يدخلون تحت اسم المشرك، وإنما قلنا أنه تعالى فصل لقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon