الحجة الرابعة : التمسك بأثر عمر : حكي أن طلحة نكح يهودية، وحذيفة نصرانية، فغضب عمر رضي الله عنه عليهما غضباً شديداً، فقالا : نحن نطلق يا أمير المؤمنين فلا تغضب، فقال : إن حل طلاقهن فقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم.
أجاب الأولون عن الحجة الأولى بأن من قال : اليهودي والنصراني لا يدخل تحت اسم المشرك فالإشكال عنه ساقط، ومن سلم ذلك قال : إن قوله تعالى :﴿والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ [ المائدة : ٥ ] أخص من هذه الآية، فإن صحت الرواية أن هذه الحرمة ثبتت ثم زالت جعلنا قوله :﴿والمحصنات﴾ ناسخاً، وإن لم تثبت جعلناه مخصصاً، أقصى ما في الباب أن النسخ والتخصيص خلاف الأصل، إلا أنه لما كان لا سبيل إلا التوفيق بين الآيتين إلا بهذا الطريق وجب المصير إليه، أما قوله ثانياً أن تحريم نكاح الوثنية إنما كان لأنها تدعو إلى النار، وهذا المعنى قائم في الكتابية، قلنا : الفرق بينهما أن المشركة متظاهرة بالمخالفة والمناصبة، فلعل الزوج يحبها، ثم أنها تحمله على المقاتلة مع المسلمين، وهذا المعنى غير موجود في الذمية، لأنها مقهورة راضية بالذلة والمسكنة، فلا يفضي حصول ذلك النكاح إلى المقاتلة، أما قوله ثالثاً إن آية التحريم والتحليل قد تعارضتا، فنقول : لكن آية التحليل خاصة ومتأخرة بالإجماع، فوجب أن تكون متقدمة على آية التحريم وهذا بخلاف الآيتين في الجمع بين الأختين في ملك اليمين، لأن كل واحدة من تينك الآيتين أخص من الأخرى من وجه وأعم من وجه آخر، فلم يحصل سبب الترجيح فيه.
أما قوله ههنا :﴿والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ [ المائدة : ٥ ] أخص من قوله :﴿وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ﴾ مطلقاً، فوجب حصول الترجيح.
وأما التمسك بقوله تعالى :﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [ المائدة : ٥ ].