وقوله :﴿والله يعلم المفسد من المصلح﴾ وعد ووعيد، لأن المقصود من الأخبار بعلم الله الإخبار بترتب آثار العلم عليه، وفي هذا إشارة إلى أن ما فعله بعض المسلمين من تجنب التصرف في أموال اليتامى تنزه لا طائل تحته لأن الله يعلم المتصرف بصلاح والمتصرف بغير صلاح وفيه أيضاً ترضية لولاة الأيتام فيما ينالهم من كراهية بعض محاجيرهم وضربهم على أيديهم في التصرف المالي وما يلاقون في ذلك من الخصاصة، فإن المقصد الأعظم هو إرضاء الله تعالى لا إرضاء المخلوقات، وكان المسلمون يومئذٍ لا يهتمون إلاّ بمرضاة الله تعالى وكانوا يحاسبون أنفسهم على مقاصدهم، وفي هذه إشارة إلى أنه ليس من المصلحة أن يعرض الناس عن النظر في أموال اليتامى اتقاء لألسنة السوء، وتهمة الظن بالإثم فلو تمالأ الناس على ذلك وقاية لأعراضهم لضاعت اليتامى، وليس هذا من شأن المسلمين فإن على الصلاح والفساد دلائل ووراء المتصرفين عدالة القضاة وولاة الأمور يجازون المصلح بالثناء والحمد العلن ويجازون المفسد بالبعد بينه وبين اليتامى وبالتغريم بما أفاته بدون نظر. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٥٧ ـ ٣٥٨﴾
" فوائد لغوية "
قال أبو حيان :
﴿والله يعلم المفسد من المصلح﴾ جملة معناها التحذير، أخبر تعالى فيها أنه عالم بالذي يفسد من الذي يصلح، ومعنى ذلك : أنه يجازي كلاً منهما على الوصف الذي قام به، وكثيراً ما ينسب العلم إلى الله تعالى على سبيل التحذير، لأن من علم بالشيء جازى عليه، فهو تعبير بالسبب عن المسبب، و : يعلم، هنا متعدٍ إلى واحد، وجاء الخبر هنا بالفعل المقتضي للتجدد، وإن كان علم الله لا يتجدد، لأنه قصد به العقاب والثواب للمفسد والمصلح، وهما وصفان يتجدّدان من الموصوف بهما، فتكرر ترتيب الجزاء عليهما لتكررهما، وتعلق العمل بالمفسد أولاً ليقع الإمساك عن الإفساد.


الصفحة التالية
Icon