فعندما ذكر الله " سكراً" مر عليها بلا تعليق. وعندما قال :" رزقاً" وصفه بأنه " حسناً" فكان يجب أن نتنبه إلى أن الله يمهد لموقف الإسلام من الخمر ؛ فهو لم يصف " السكر" بأي وصف، وجعل للرزق وصفا هو الحسن ؛ فالناس عندما يستخرجون من هذه الثمرات سكراً، فهم قد أخرجوها عن الرزق الحسن، لأن هناك فرقا بين أن تأخذ من العنب غذاءً وبين أن تخمره فتفسده وتجعله ساتراً للعقل. وبعد ذلك فهناك فرق بين تشريع ونصح. فعندما تنصح شخصا فأنت تقول له : سأدلك على طريق الخير وأنت حر في أن تسير في أو لا تسير. وعندما تشرع وتضع الحكم، فأنت تأمر هذا الشخص أو ذاك بأن يفعل الأمر ولا شيء سواه.
والحق سبحانه وتعالى عندما قال :" يسألونك عن الخمر والميسر"، ذكر لنا المفاسد وترك لنا الحكم عليها، قال سبحانه مبلغاً رسوله :" قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" ولو لم يقل " ومنافع للناس" لاستغرب الناس وقالوا : نحن نأخذ من الخمر منافع، ونكتسب منها، وننسى بها همومنا، كانت هذه هي المنافع بالنسبة لهم، لكن الحق يوضح أن إثمهما اكبر من نفعهما، أي أن العائد من وراء تعاطيهما أقل من الضرر الحادث منهما، وهذا تقييم عادل، فلم تكن المسألة قد دخلت في نطاق التحريم، لأنها مازالت في منطقة النصح والإرشاد.
وقوله تعالى :" وإثمهما اكبر من نفعهما" يجعل فيهما نوعا من الذنب، لقد كان التدرج في الحكم أمراً مطلوباً لأنه سبحانه يعالج أمراً بإلف العادة، فيمهد سبحانه ليخرجه عن العادة. والعادة شيء يقود إلى الاعتياد ؛ بحيث إذا مر وقت ولم يأت ما تعودت عليه نفسيتك ودمك يحدث لك اضطراب. ومادامت المسألة تقود إلى الاعتياد، فالأفضل أن تسد الباب من أوله وتمنع الاعتياد. لقد كانت بداية الحكم في أمر الخمر أن أحداً من المسلمين شرب الخمر قبل أن تحرم نهائياً، وجاء ليصلي، فقال :" قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون" وبعدها نزل تأديب الحق بقوله :


الصفحة التالية
Icon