إن أهل الجاهلية كانوا قد اعتادوا الانتفاع بأموال اليتامى وربما تزوجوا باليتيمة طمعاً في مالها أو يزوجها من ابن له لئلا يخرج مالها من يده، ثم إن الله تعالى أنزل قوله :﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُون أموال اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ [ النساء : ١٠ ] وأنزل في الآيات :﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء﴾ [ النساء : ٣ ] وقوله :﴿ويستفتونك في النساء قل الله بفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللآتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن، والمستضعفين من الولدان، وأن تقوموا لليتامى بالقسط، وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليماً﴾ [ النساء : ١٢٧ ] وقوله :﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] فعند ذلك ترك القوم مخالطة اليتامى، والمقاربة من أموالهم، والقيام بأمورهم، فعند ذلك اختلت مصالح اليتامى وساءت معيشتهم، فثقل ذلك على الناس، وبقوا متحيرين إن خالطوهم وتولوا أمر أموالهم، استعدوا للوعيد الشديد، وإن تركوا وأعرضوا عنهم، اختلت معيشة اليتامى، فتحير القوم عند ذلك.
ثم ههنا يحتمل أنهم سألوا الرسول عن هذه الواقعة، يحتمل أن السؤال كان في قلبهم، وأنهم تمنوا أن يبين الله لهم كيفية الحال في هذا الباب، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ويروى أنه لما نزلت تلك الآيات اعتزلوا أموال اليتامى، واجتنبوا مخالطتهم في كل شيء، حتى كان يوضع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد، وكان صاحب اليتيم يفرد له منزلاً وطعاماً وشراباً فعظم ذلك على ضعفة المسلمين، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله مالنا منازل تسكنها الأيتام ولا كلنا يجد طعاماً وشراباً يفردهما لليتيم، فنزلت هذه الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٤٤﴾
وقال ابن عاشور :