اليتيم بينهم فقيراً مدحوراً، وزد إلى ذلك أن أهل الجاهلية قد تأصل فيهم الكبر على الضعيف وتوقير القوى فلما عدم اليتيم ناصره ومن يذب عند كان بحيث يعرض للمهانة والإضاعة ويتخذ كالعبد لوليه، من أجل ذلك كله صار وصف اليتيم عندهم ملازماً لمعنى الخصاصة والإهمال والذل، وبه يظهر معنى امتنان الله تعالى على نبيه أن حفظه في حال اليتم مما ينال اليتامى في قوله :﴿ألم يجدك يتيماً فآوى﴾ [ الضحى : ٦ ]. فلما جاء الإسلام أمرَهم بإصلاح حال اليتامى في أموالهم وسائر أحوالهم حتى قيل إن أولياء اليتامى تركوا التصرف في أموالهم واعتزلوا اليتامى ومخالطتهم فنزلت هذه الآية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٥٤ ـ ٣٥٥﴾
قوله تعالى :﴿قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ﴾
قال الفخر :
قوله :﴿قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ﴾ فيه وجوه أحدها : قال القاضي : هذا الكلام يجمع النظر في صلاح مصالح اليتيم بالتقويم والتأديب وغيرهما، لكي ينشأ على علم وأدب وفضل لأن هذا الصنع أعظم تأثيراً فيه من إصلاح حاله بالتجارة، ويدخل فيه أيضاً إصلاح ماله كي لا تأكله النفقة من جهة التجارة، ويدخل فيه أيضاً معنى قوله تعالى :﴿وَءاتُواْ اليتامى أموالهم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب﴾ [ النساء : ٢ ] ومعنى قوله :﴿خَيْرٌ﴾ يتناول حال المتكفل، أي هذا العمل خير له من أن يكون مقصراً في حق اليتيم، ويتناول حال اليتيم أيضاً، أي هذا العمل خير لليتيم من حيث أنه يتضمن صلاح نفسه، وصلاح ماله، فهذه الكلمة جامعة لجميع مصالح اليتيم والولي.
فإن قيل : ظاهر قوله :﴿قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ﴾ لا يتناول إلا تدبير أنفسهم دون مالهم.