﴿والله سميع عليم﴾ ختم هذه الآية بهاتين الصفتين لأنه تقدم ما يتعلق بهما، فالذي يتعلق بالسمع الحلف لأنه من المسموعات، والذي يتعلق بالعلم هو إرادة البر والتقوى والإصلاح إذ هو شيء محله القلب، فهو من المعلومات، فجاءت هاتان الصفتان منتظمتين للعلة والمعلول، وجاءتا على ترتيب ما سبق من تقديم السمع على العلم، كما قدم الحلف على الإرادة. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ١٩٠﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿والله سميع عليم﴾ تذييل، والمراد منه العلم بالأقوال والنيات، والمقصود لازمه، وهو الوعد على الامتثال، على جميع التقادير، والعذر في الحنث على التقدير الأول، والتحذير من الحلف على التقدير الثاني.
وقد دلت الآية على معنى عظيم وهو أن تعظيم الله لا ينبغي أن يجعل وسيلة لتعطيل ما يحبه الله من الخير، فإن المحافظة على البر في اليمين ترجع إلى تعظيم اسم الله تعالى، وتصديق الشهادة به على الفعل المحلوف عليه، وهذا وإن كان مقصداً جليلاً يُشكر عليه الحالف الطالب للبر ؛ لكن التوسل به لقطع الخيرات مما لا يرضَى به الله تعالى، فقد تعارض أمران مرضيان لله تعالى إذا حصل أحدهما لم يحصل الآخر.
والله يأمرنا أن نقدم أحد الأمرين المرضيين له، وهو ما فيه تعظيمه بطلب إرضائه، مع نفع خلقه بالبر والتقوى والإصلاح، دون الأمر الذي فيه إرضاؤه بتعظيم اسمه فقط، إذ قد علم الله تعالى أن تعظيم اسمه قد حصل عند تحرج الحالف من الحنث، فبِر اليمينِ أدبٌ مع اسم الله تعالى، والإتيانُ بالأعمال الصالحة مرضاة لله ؛ فأمَرَ الله بتقديم مرضاته على الأدب مع اسمه، كما قيل : الامتثالُ مقدَّم على الأدب.