هذه الجملة تذييل ثان لجملة :﴿فأتوهن من حيث أمركم الله نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] قصد به الارتفاق بالمخاطبين والتأنس لهم لإشعارهم بأن منعهم من قربان النساء في مدة المحيض منع مؤقت لفائدتهم وأن الله يعلم أن نساءهم محل تعهدهم وملابستهم ليس منعهم منهن في بعض الأحوال بأمر هين عليهم لولا إرادة حفظهم من الأذى، كقول عمر بن الخطاب لما حمي الحمى " لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً إنها لبلادُهم" وتعتبر جملة ﴿نساؤكم حرث﴾ مقدِّمة لجملة ﴿فأتوا حرثكم أنى شئتم﴾ وفيها معنى التعليل للإذن بإتيانهن أنّى شاءوا، والعلةُ قد تجعل مقدمة فلو أوثر معنى التعليل لأخرت عن جملة ﴿فأتوا حرثكم أنى شئتم﴾ ولكن أوثر أن تكون مقدمة للتي بعدها لأنه أحكم نسيج نظم ولتتأتى عقبه الفاء الفصيحة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٧٠ ـ ٣٧١﴾
" فوائد لغوية "
قال ابن عاشور :
الحرث مصدر حرث الأرض إذا شقها بآلة تشق التراب ليزرع في شقوقه زريعة أو تغرس أشجار. وهو هنا مطلق على معنى اسم المفعول.
وإطلاق الحرث على المحروث وأنواعه إطلاق متعدد فيطلق على الأرض المجعولة للزرع أو الغرس كما قال تعالى :﴿وقالوا هذه أنعام وحرث حجر﴾ [ الأنعام : ١٣٨ ] أي أرض زرع محجورة على الناس أن يزرعوها.
وقال :﴿والخيل المسومة والأنعام والحرث﴾ [ آل عمران : ١٤ ] أي الجنات والحوائط والحقول.
وقال :﴿كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته﴾ [ " ل عمران : ١١٧ ] أي فأهلكت زرعهم.
وقال :﴿فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين﴾ [ القلم : ٢٢ ] يعنون به جنتهم أي صارمين عراجين التمر.