الحجة الثالثة : روى خزيمة بن ثابت أن رجلاً سأل النبي ﷺ عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال النبي ﷺ :" حلال، فلما ولى الرجل دعاه فقال : كيف قلت في أي الخربتين، أو في أي الخرزتين، أو في أي الخصفتين، أو من قبلها في قبلها فنعم، أمن دبرها في قبلها فنعم، أمن دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق :" لا تؤتوا النساء في أدبارهن " وأراد بخربتها مسلكها، وأصل الخربة عروة المزادة شبه الثقب بها، والخرزة هي التي يثقبها الخراز، كنى به عن المأتي، وكذلك الخصفة من قولهم : خصفت الجلد إذا خرزته، حجة من قال بالجواز وجوه :
الحجة الأولى : التمسك بهذه الآية من وجهين الأول : أنه تعالى جعل الحرث اسماً للمرأة فقال :﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ فهذا يدل على أن الحرث اسم للمرأة لا للموضع المعين، فلما قال بعده :﴿فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ﴾ كان المراد فأتوا نساءكم أنى شئتم فيكون هذا إطلاقاً في إتيانهن على جميع الوجوه، فيدخل فيه محل النزاع.
الوجه الثاني : أن كلمة ﴿أَنّى﴾ معناها أين، قال الله تعالى :﴿أنى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله﴾ [ ال عمران : ٣٧ ] والتقدير : من أين لك هذا فصار تقدير الآية : فأتوا حرثكم أين شئتم وكلمة : أين شئتم، تدل على تعدد الأمكنة : اجلس أين شئت ويكون هذا تخييراً بين الأمكنة.
إذا ثبت هذا فنقول : ظهر أنه لا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها في قبلها، أو من دبرها في قبلها لأن على هذا التقدير المكان واحد، والتعداد إنما وقع في طريق الإتيان، واللفظ اللائق به أن يقال : اذهبوا إليه كيف شئتم فلما لم يكن المذكور ههنا لفظة : كيف، بل لفظة ﴿أَنّى﴾ ويثبت أن لفظة ﴿أَنّى﴾ مشعرة بالتخيير بين الأمكنة، ثبت أنه ليس المراد ما ذكرتم بل ما ذكرناه.