أما قوله تعالى :﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِى أَرْحَامِهِنَّ﴾ فاعلم أن انقضاء العدة لما كان مبنياً على انقضاء القرء في حق ذوات الأقراء، وضع الحمل في حق الحامل، وكان الوصول إلى علم ذلك للرجال متعذراً جعلت المرأة أمينة في العدة، وجعل القول قولها إذا ادعت انقضاء قرئها في مدة يمكن ذلك فيها، وهو على مذهب الشافعي رضي الله عنه اثنان وثلاثون يوماً وساعة، لأن أمرها يحمل على أنها طقلت طاهرة فحاضت بعد سعة، ثم حاضت يوماً وليلة وهو أقل الحيض، ثم طهرت خمسة عشر يوماً وهو أقل الطهر، مرة أخرى يوماً وليلة، ثم طهرت خمسة عشر يوماً، ثم رأت الدم فقد انقضت عدتها بحصول ثلاثة أطهار، فمتى ادعت هذا أو أكثر من هذا قبل قولها، وكذلك إذا كانت حاملاً فادعت أنها أسقطت كان القول قولها، لأنها على أصل أمانتها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٧٨ ـ ٧٩﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله تعالى :﴿ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن﴾ إخبار عن انتفاء إباحة الكتمان، وذلك مقتضى الإعلام بأن كتمانهن منهي عنه محرم، فهو خبر عن التشريع، فهو إعلام لهن بذلك، وما خلق الله في أرحامهن هو الدم ومعناه كتم الخبر عنه لا كتمان ذاته، كقول النابغة :" كتمتك ليلاً بالجمومين ساهراً" أي كتمتك حال ليل.
و﴿ما خلق الله في أرحامهن﴾ موصول، فيجوز حمله على العهد، أي ما خلق من الحيض بقرينة السياق.
ويجوز حمله على معنى المعرف بلام الجنس فيعم الحيض والحمل، وهو الظاهر وهو من العام الوارد على سبب خاص ؛ لأن اللفظ العام الوارد في القرآن عقب ذكر بعض أفراده، قد ألحقوه بالعام الوارد على سبب خاص، فأما من يقصر لفظ العموم في مثله على خصوص ما ذُكر قَبله، فيكون إلحاق الحوامل بطريق القياس، لأن الحكم نيط بكتمان ما خلق الله في أرحامهن. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٩٢﴾


الصفحة التالية
Icon