وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ﴾ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ : أَنْ لَا يُمْنَعَ بِيَمِينِهِ مِنْ فِعْلِ مَا هُوَ خَيْرٌ بَلْ يَفْعَلُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيَدَعُ يَمِينَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :﴿ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ يُرِيدُ بِهِ كَثْرَةَ الْحَلِفِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِذَالٌ لِاسْمِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ؛ لَأَنْ تَبَرُّوا فِي الْحَلِفِ بِهَا
وَتَتَّقُوا الْمَأْثَمَ فِيهَا.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ : مِنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ شَيْءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ عُرْضَةً، يَقُولُ الْقَائِلُ : قَدْ جَعَلَنِي عُرْضَةً لِلَّوْمِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ : لَا تَجْعَلِينِي عُرْضَةَ اللَّوَائِمِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُكْثِرِي الْحَلِفِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ﴾ فَالْمَعْنَى : لَا تَعْتَرِضُوا اسْمَ اللَّهِ وَتَبْذُلُوهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ لَأَنْ تَبَرُّوا إذَا حَلَفْتُمْ وَتَتَّقُوا الْمَأْثَمَ فِيهَا إذَا قَلَّتْ أَيْمَانُكُمْ ؛ لِأَنَّ كَثْرَتَهَا تُبْعِدُ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَتُقَرِّبُ مِنْ الْمَآثِمِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.