وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الضَّمُّ وَالتَّأْلِيفُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : تُرِيك إذَا دَخَلْت عَلَى خَلَاءٍ وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الْكَاشِحِينَا ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا يَعْنِي : لَمْ تَضُمَّ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ :" قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ " إذَا جَمَعْته، و " قَرَوْت الْأَرْضَ " إذَا جَمَعْت شَيْئًا إلَى شَيْءٍ وَسَيْرًا إلَى سَيْرٍ.
وَيَقُولُونَ :" مَا قَرَأَتْ النَّاقَةُ سَلًى قَطُّ " أَيْ مَا اجْتَمَعَ رَحِمُهَا عَلَى وَلَدٍ قَطُّ.
وَمِنْهُ :" أَقْرَأَتْ النُّجُومُ " إذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْأُفُقِ.
وَيُقَالُ :" أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ " إذَا حَاضَتْ، فَهِيَ مُقْرِئٌ، ذَكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ.
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ :" هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ " وَهَذَا قَوْلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ مِنْ اللُّغَةِ وَلَا هُوَ ثَابِتٌ عَمَّنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشَّوَاهِدِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَهُوَ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ.
ثُمَّ يَقُولُ : وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهُ الْوَقْتَ فَالْحَيْضُ أَوْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا يَكُونُ وَقْتًا لِمَا يَحْدُثُ فِيهِ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْحَادِثُ، وَلَيْسَ الطُّهْرُ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ عَدَمِ الْحَيْضِ، وَلَيْسَ هُوَ شَيْءٌ حَادِثٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ أَوْلَى بِمَعْنَى الِاسْمِ.
وَإِنْ كَانَ هُوَ الضَّمَّ وَالتَّأْلِيفَ فَالْحَيْضُ أَوْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ إنَّمَا يَتَأَلَّفُ وَيَجْتَمِعُ مِنْ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ فِي حَالِ الْحَيْضِ، فَمَعْنَاهُ أَوْلَى بِالِاسْمِ أَيْضًا.