وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ حَصَرَ الْأَقْرَاءَ بِعَدَدٍ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ لِلْعِدَّةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ وَاعْتِبَارُ الطُّهْرِ فِيهِ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهَا بِكَمَالِهَا فِيمَنْ طَلَّقَهَا لِلسُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَنْ يُوقِعَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، فَلَا بُدَّ إذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ أَنْ يُصَادِفَ طَلَاقُهُ طُهْرًا قَدْ مَضَى بَعْضُهُ ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِطُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ، فَهَذَانِ طُهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّلَاثِ إذَا أَرَادَ طَلَاقَ السُّنَّةِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْحَيْضُ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بِكَمَالِهِ ؛ وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ فَالْمُرَادُ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُرْهَا بِعَدَدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَالْأَقْرَاءُ مَحْصُورَةٌ بِعَدَدٍ لَا يَحْتَمِلُ الْأَقَلَّ مِنْهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ : رَأَيْت ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَمُرَادُك رَجُلَانِ، وَجَائِزٌ أَنْ
تَقُولَ : رَأَيْت رِجَالًا وَالْمُرَادُ رَجُلَانِ ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ مَعْنَاهُ عَمَلُ الْحَجِّ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ، وَمُرَادُهُ فِي بَعْضِهَا ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْحَجِّ لَا يَسْتَغْرِقُ الْأَشْهُرَ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مِنْهَا فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ.