أَنَّهُ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ ذَلِكَ دُونَ خَلْقِهِ وَأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ، مَعَ دَلَالَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى انْتِفَاءِ اجْتِمَاعِ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ إنَّمَا هِيَ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَبَلِ، وَالطُّهْرُ لَا اسْتِبْرَاءَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ طُهْرٌ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِالْحَيْضِ الَّتِي هِيَ عِلْمٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَبَلِ ؛ إذْ لَيْسَ فِي الطُّهْرِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَقْرَاءِ اسْتِبْرَاءٌ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الدَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ هِيَ الْحَبَلُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ لِذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إنَّمَا هِيَ اسْتِبْرَاءٌ مِنْ الْحَبَلِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ مِنْ الْحَبَلِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ لِلصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِاسْتِبْرَاءٍ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ : أَنَّ الطُّهْرَ مُقَارِنٌ لِلْحَبَلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَقَعُ بِمَا يُقَارِنُهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِمَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الْحَيْضُ، فَيَكُونُ دَلَالَةً عَلَى بَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْ الْحَبَلِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ دُونَ الْأَطْهَارِ.