وَإِذَا كَانَ اللَّغْوُ مُحْتَمِلًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمَّا عَطَفَ قَوْلَهُ :﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ أَنَّ مُرَادَهُ مَا عَقَدَ قَلْبُهُ فِيهِ عَلَى الْكَذِبِ وَالزُّورِ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمُؤَاخَذَةُ هِيَ عِقَابَ الْآخِرَةِ وَأَنْ لَا تَكُونَ الْكَفَّارَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ بِالْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِكَسْبِ الْقَلْبِ، لِاسْتِوَاءِ حَالِ الْقَاصِدِ بِهَا لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتَسَاوِي حُكْمِ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ ؛ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ : مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعِقَابِ بِقَصْدِهِ إلَى الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَهِيَ الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي قَالَ الْقَاصِدُ بِهَا خِلَافَهَا إلَى الْكَذِبِ ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اللَّغْوُ هِيَ الَّتِي لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَى الْكَذِبِ وَهِيَ عَلَى الْمَاضِي وَيَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَسَمَّاهَا لَغْوًا مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ فِي إيجَابِ كَفَّارَةٍ وَلَا فِي اسْتِحْقَاقِ عُقُوبَةٍ ؛ وَهِيَ الَّتِي رُوِيَ مَعْنَاهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهَا قَوْلُ الرَّجُلِ " لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ " فِي عَرْضِ كَلَامِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا حُكْمَ لَهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى الْحَرَامِ " فَلَا يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ " يَعْنِي بِهِ عِقَابَ الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةً إذَا حَنِثَ.


الصفحة التالية
Icon