وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي تَصْدِيقِ الْمُؤْتَمَنِ فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ لَمَّا وَعَظَهُ بِتَرْكِ الْبَخْسِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِيهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِيهِ لَمَا كَانَ مَوْعُوظًا بِتَرْكِ الْبَخْسِ، وَهُوَ لَوْ بَخَسَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَتَمَ أَوْ أَظْهَرَ كَانَ الْمَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِيمَا كَتَمَ وَفِيمَا أَظْهَرَ، لِدَلَالَةِ وَعْظِهِ إيَّاهُ بِتَرْكِ الْكِتْمَانِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهَا.
وَذَلِكَ كُلُّهُ أَصْلٌ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ اُؤْتُمِنَ عَلَى شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ، كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ : قَدْ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ قَدْ رَدَدْتهَا، وَكَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَسَائِرِ الْمَأْمُونِينَ عَلَى الْحُقُوقِ.
وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ ثُمَّ قَوْله تَعَالَى عَطْفًا عَلَيْهِ :﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمَانَةً لَمَا عَطَفَ الْأَمَانَةَ عَلَيْهِ ؛ إذْ كَانَ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ.