فَفَرْقٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَيْضَ إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهَا لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَوْقَاتِ وَالْعَادَةِ وَالْمَعَانِي الَّتِي لَا تُعْلَمُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا وَدَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهَا فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاحْتِلَامُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ بِأَسْبَابٍ أُخَرَ غَيْرَ خُرُوجِهِ، وَلَا اعْتِبَارَ فِيهِ بِوَقْتٍ وَلَا عَادَةٍ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى نَعْلَمَ يَقِينًا صِحَّةَ مَا قَالَ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَمَّا كَانَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ شَاهَدَ الدَّمَ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِحُكْمِ الْحَيْضِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهَا ؛ إذْ كَانَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَعْلَمُهُ هِيَ دُونَنَا.
وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلَا يَشْتَبِهُ فِيهِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى أَحَدٍ شَاهَدَهُ وَهُوَ يُدْرَكُ وَيُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ الْتِبَاسٍ مِنْهُ بِغَيْرِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ نَحْتَجْ فِيهِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِهِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي النَّهْيِ عَنْ الْكِتْمَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْإِيمَانِ، فَعَلَيْهَا أَنْ لَا تَكْتُمَ ؛ وَمَنْ يُؤْمِنُ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ فِي هَذَا النَّهْيِ سَوَاءٌ، وَهُوَ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ وَقَوْلِ مَرْيَمَ :﴿ إنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْت تَقِيًّا ﴾.


الصفحة التالية
Icon