وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَنُسِخَ مِنْ الثَّلَاثَةِ قُرُوءٍ الْحَامِلُ " فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا جَائِزٌ سَائِغٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وُرُودُ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ ثَلَاثُ حِيَضٍ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ وَهِيَ حَامِلٌ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ فَنُسِخَ بِالْحَمْلِ.
إلَّا أَنَّ أَبِي بْنَ كَعْبٍ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْحَامِلَ لَمْ.
تَكُنْ مُرَادَةً بِعِدَّةِ الْأَقْرَاءِ، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَمْ تَنْزِلْ فِي الْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ ؛ وَلَيْسَ يَجُوزُ إطْلَاقُ النَّسْخِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا فِيمَا قَدْ عُلِمَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَوُرُودُ الْحُكْمِ النَّاسِخِ لَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، إلَّا أَنْ يُطْلَقَ لَفْظُ النَّسْخِ وَالْمُرَادُ التَّخْصِيصُ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ فَلَا يَضِيقُ.
وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا حَمْلُهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْصِيصِ فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ لَمْ يَرِدْ إلَّا خَاصًّا فِي الْمُطَلَّقَاتِ ذَوَاتِ الْحَيْضِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ، وَأَنَّ الْآيِسَةَ وَالصَّغِيرَةَ وَالْحَامِلَ لَمْ يَرِدْنَ قَطُّ بِالْآيَةِ ؛ إذْ لَيْسَ مَعَنَا تَارِيخٌ لِوُرُودِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَلَا عُلِمَ بِاسْتِقْرَارِ حُكْمِهَا ثُمَّ نَسْخِهِ بَعْدَهُ، فَكَأَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَرَدَتْ مَعًا وَتَرَتَّبَتْ أَحْكَامُهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهَا مِنْ اسْتِعْمَالِهَا وَبُنِيَ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ مِنْهَا.


الصفحة التالية
Icon