(وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) الْعُرْضَةُ - بِالضَّمِّ كَالْغُرْفَةِ - لَهَا مَعَانٍ أَظْهَرُهَا هُنَا اثْنَانِ، أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْمَانِعِ الْمُعْتَرِضِ دُونَ الشَّيْءِ; أَيْ : لَا تَجْعَلُوا اللهَ تَعَالَى مَانِعًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَمَلٍ ؛ بِأَنْ تَحْلِفُوا بِهِ عَلَى تَرْكِهِ فَتَتْرُكُوهُ تَعْظِيمًا لِاسْمِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَهُوَ حَلِفُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَى (مِسْطَحٍ) بَعْدَ أَنْ خَاضَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، وَفِيهِ نَزَلَ :(وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى) (٢٤ : ٢٢) الْآيَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(وَاللهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ جَرِيرٍ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَبِرُّهُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهَا وَيَرْجِعَ عَنْ يَمِينِهِ) وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ أُخْرَى، ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُسْرِعُ إِلَى لِسَانِهِ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَقَدْ يَكُونُ خَيْرًا، وَلَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَقَدْ