بَعْدَ بَيَانِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فِي الْأَيْمَانِ الْعَامَّةِ انْتَقَلَ إِلَى حُكْمِ الْيَمِينِ الْخَاصَّةِ فَقَالَ :(لِلَّذِينِ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) إِلَخْ، فَالْإِيلَاء مِنَ الْمَرْأَةِ : أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَا يَقْرَبَهَا، وَهُوَ مِمَّا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ عِنْدَ الْمُغَاضَبَةِ وَالْغَيْظِ، وَفِيهِ امْتِهَانٌ لِلْمَرْأَةِ وَهَضْمٌ لِحَقِّهَا وَإِظْهَارٌ لِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهَا، فَتَرْكُ الْمُقَارَبَةِ الْخَاصَّةِ الْمَعْلُومَةِ ضِرَارًا مَعْصِيَةٌ، وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ حَلِفٌ عَلَى مَا لَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّوَادِّ وَالتَّرَاحُمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهِمَا وَفِي عِيَالِهِمَا وَأَقَارِبِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْإِيلَاءِ (الْحَلِفِ) يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدْنَاهُمَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْلِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي نَفْسِهِ فَقَطْ، فَيُقَالُ : حَسْبُهُ مَا يَلْقَى مِنْ جَزَاءِ إِثْمِهِ، بَلْ يَكُونُ بِإِثْمِهِ هَاضِمًا لِحَقِّ امْرَأَتِهِ، وَلَا يُبِيحُ لَهُ الْعَدْلُ هَذَا الْهَضْمَ وَالظُّلْمَ، وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمَ، وَهُوَ التَّرَبُّصُ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي لَا يَشُقُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبُعْدُ فِيهَا عَنِ الرَّجُلِ، وَهِيَ كَافِيَةٌ لِتَرَوِّي الرَّجُلِ فِي أَمْرِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَى رُشْدِهِ (فَإِنْ


الصفحة التالية
Icon