قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ بَيَانِ هَذِهِ النُّكْتَةِ الَّتِي شَرَحْنَاهَا : وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مَعْنَى التَّرَبُّصِ بِالْأَنْفُسِ هُنَا ضَبْطُهَا وَمَنْعُهَا أَنْ تَقَعَ فِي غَمْرَةِ الشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ النِّسَاءَ أَشَدُّ شَهْوَةً مِنَ الرِّجَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَ هَذِهِ الشِّدَّةَ وَالزِّيَادَةَ بِأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ حَدَّهَا وَعَدَّهَا عَدًّا، وَهَذَا مِنْ نَبْذِ الْأَقْوَالِ وَطَرْحِهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا عِلْمٍ، فَإِنَّ الرِّجَالَ كَانُوا وَمَا زَالُوا هُمُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ النِّسَاءَ وَيَرْغَبُونَ فِيهِنَّ، ثُمَّ يَظْلِمُونَهُنَّ حَتَّى بِالتَّحَكُّمِ فِي طَبَائِعِهِنَّ وَالْحُكْمِ عَلَى شُعُورِهِنَّ، وَيَأْخُذُ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّقْلِيدِ. وَأَقُولُ : إِنَّ مَنْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي
أَقْوَالِ الرِّجَالِ فِي النِّسَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَلَا سِيَّمَا أَقْوَالُ كُتَّابِ الصُّحُفِ فِي زَمَانِنَا، وَوَزَنَّاهَا بِمَوَازِينِهَا، رَأَى فِيهَا مِنَ الْأَغْلَاطِ وَالْأَوْهَامِ مَا يُبْطِلُهُ النَّظَرُ وَالِاخْتِبَارُ، وَأَظْهَرُ أَوْهَامِهِمْ مَا يَكْتُبُونَهُ فِي حُبِّ الْمَرْأَةِ وَفِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي غَيْرِهِ، وَأَنَّ الْمُقَلِّدِينَ لِلْمُخْطِئِ فِي ذَلِكَ أَضْعَافُ الْمُقَلِّدِينَ لِلْمُصِيبِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى حِكْمَةَ هَذَا التَّرَبُّصِ بِالزَّوَاجِ فِي سِيَاقِ حُكْمٍ آخَرَ فَقَالَ :(وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) كَمَا كُنَّ يَفْعَلْنَ أَحْيَانًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذْ كَانَتِ


الصفحة التالية
Icon