وأجاب ابن عرفة : بأنا ( نثبت ) الكلام النفسي، ويصح عندنا سماعه كما سمع موسى كلام الله القديم الأزلي، وليس بصوت ولا حرف، أو يقال : إنّ العزم على الطلاق له اعتباران :
اعتبار في نفس الأمر عند الله تعالى، واعتبار في الظاهر لنا بالحكم الشرعي من حيث يرتفع له حكم الإيلاء عن صاحبه، ويخرج عن عهدة الحكم عليه، فهو بهذا الاعتبار لا يعلم إلا بأمارة وقول يدل عليه، وذلك القول مسموع فعلق به السمع بهذا الاعتبار والعلم باعتبار الأول. أ هـ ﴿تفسير ابن عرفة حـ ٢ صـ ٦٥٢ ـ ٦٥٣﴾
فائدة
قال الإمام الجصاص :
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ " سَمِيعٌ عَلِيمٌ " دَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا مَسْمُوعًا وَهُوَ الطَّلَاقُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ السَّمِيعَ لَا يَقْتَضِي مَسْمُوعًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ سَمِيعًا وَلَا مَسْمُوعَ.
وَأَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ﴾ وَأَيْضًا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَامِعٌ لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلِيمٌ بِمَا أَضْمَرَهُ وَعَزَمَ عَلَيْهِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٢ صـ ٥٣﴾
فوائد ولطائف
قال العلامة أبو حيان ـ رحمه الله ـ :
وفي قوله في هذا التقسيم :﴿فإن فاؤا﴾ و﴿إن عزموا الطلاق﴾ دليل على أن الفرقة التي تقع في الإيلاء لا تقع بمضي الأربعة الأشهر من غير قول، بل لا بد من القول لقوله : عزموا الطلاق، لأن العزم على فعل الشيء ليس فعلاً للشيء، ويؤكده :﴿فإن الله سميع عليم﴾ إذ لا يسمع إلاَّ الأقوال، وجاءت هاتان الصفتان باعتبار الشرط وجوابه، إذ قدرناه : فليوقعوه، أي الطلاق، فجاء : سميع، باعتبار إيقاع الطلاق، لأنه من باب المسموعات، وهو جواب الشرط، وجاء : عليم، باعتبار العزم على الطلاق، لأنه من باب النيات، وهو الشرط، ولا تدرك النيات إلاَّ بالعلم.
وتأخر هذا الوصف لمؤاخاة رؤوس الآي، ولأن العلم أعم من السمع، فمتعلقه أعم، ومتعلق السمع أخص، وأبعد من قال : فإن الله سميع لإيلائه، لبعد انتظامه مع الشرط قبله. وقال الزمخشري : فإن قلت ما تقول في قوله : فإن الله سميع عليم ؟ وعزمهم الطلاق مما لا يعلم ولا يسمع ؟ قلت : الغالب أن العازم للطلاق، وترك الفيئة والفرار لا يخلو من مقارنة ودمدمة، ولا بد من أن يحدث نفسه ويناجيها بذلك، وذلك حديث لا يسمعه إلاَّ الله، كما يسمع وسوسة الشيطان. انتهى كلامه.