ولما كان ذكر المؤاخذة قطعاً لقلوب الخائفين سكنها بقوله مظهراً موضع الإضمار إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه :﴿والله﴾ أي مع ما له من العظمة ﴿غفور﴾ أي ستور لذنوب عباده إذا تابوا. ولما كان السياق للمؤاخذة التي هي معالجة كل من المتناظرين لصاحبه بالأخذ كان الحلم أنسب الأشياء لذلك فقال ﴿حليم﴾ لا يعاجلهم بالأخذ، والحلم احتمال الأعلى للأذى من الأدنى، وهو أيضاً رفع المؤاخذة عن مستحقها بجناية في حق مستعظم - قاله الحرالي. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٢٥ ـ ٤٢٦﴾
وقال أبو حيان :
مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، لأنه تعالى لما نهى عن جعل الله معرضاً للأيمان، كان ذلك حتماً لترك الأيمان وهم يشق عليهم ذلك، لأن العادة جرت لهم بالأيمان، فذكر أن ما كان منها لغواً فهو لا يؤاخذ به، لأنه مما لا يقصد به حقيقة اليمين، وإنما هو شيء يجري على اللسان عند المحاورة من غير قصد، وهذا أحسن ما يفسر به اللغو، لأنه تعالى جعل مقابلة ما كسبه القلب وهو ماله فيه اعتماد وقصد. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ١٩٠﴾
قال الفخر :
﴿اللغو﴾ الساقط الذي لا يعتد به، سواء كان كلاماً أو غيره، أما ورود هذه اللفظة في الكلام، فيدل عليه الآية والخبر والرواية، أما الآية فقوله تعالى :﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾ [ القصص : ٥٥ ] وقوله :﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾ [ الواقعة : ٢٥ ] وقوله :﴿لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فيه﴾ [ فصلت : ٢٦ ] وقوله :﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاغية﴾ [ الغاشية : ١١ ] أما قوله :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً﴾ [ الفرقان : ٧٢ ] فيحتمل أن يكون المراد، وإذا مروا بالكلام الذي يكون لغواً، وأن يكون المراد، وإذا مروا بالفعل الذي يكون لغواً.
وأما الخبر فقوله ﷺ :" من قال يوم الجمعة لصاحبه صه والإمام يخطب فقد لغا ".


الصفحة التالية
Icon