وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوَقْفِ يُثْبِتُونَ هُنَاكَ مَعَانِيَ أُخَرَ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ، إذْ كَانَتْ الْآيَةُ إنَّمَا اقْتَضَتْ أَحَدَ شَيْئَيْنِ مِنْ فَيْءٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ مُطَالَبَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا وَقْفُ الْقَاضِي الزَّوْجَ عَلَى الْفَيْءِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُلْحِقَ بِالْآيَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا وَلَا أَنْ نَزِيدَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَقَوْلُ مُخَالِفِينَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ وَلَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مُوجَبِ حُكْمِ الْآيَةِ، وَقَوْلُنَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى حُكْمِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِيهَا، فَكَانَ أَوْلَى.
وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا حَكَمَ فِي الْإِيلَاءِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِإِيصَالِ الْمَرْأَةِ إلَى حَقِّهَا مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الْفُرْقَةِ، وَهُوَ عَلَى مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ يَقُولُ : إنْ لَمْ يَفِئْ أَمَرَهُ بِالطَّلَاقِ، فَإِذَا طَلَّقَ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، فَإِنْ جَعَلَهُ بَائِنًا فَإِنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ بَائِنًا عِنْدَ أَحَدٍ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ جَعَلَهُ رَجْعِيَّا فَلَا حَظَّ لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى شَاءَ
رَاجَعَهَا فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ كَمَا كَانَتْ، فَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ طَلَاقًا لَا تَمْلِكُ بِهِ الْمَرْأَةُ بُضْعَهَا وَتَصِلُ بِهِ إلَى حَقِّهَا.


الصفحة التالية
Icon