فائدة
قال الجصاص :
وقَوْله تَعَالَى :﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْخَبَرَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِمَّا هُوَ فِي صِيغَةِ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ وَلَيْسَ بِخَبَرٍ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَوُجِدَ مُخْبَرُهُ عَلَى مَا أُخْبِرَ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَ اللَّهِ لَا تَنْفَكُّ مِنْ وُجُودِ مُخْبَرَاتهَا ؛ فَلَمَّا وَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ يُطَلِّقُونَ الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثَ مَعًا، وَلَوْ كَانَ قَوْله تَعَالَى :﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ اسْمًا لِلْخَبَرِ لَاسْتَوْعَبَ جَمِيعَ مَا تَحْتَهُ، ثُمَّ وَجَدْنَا فِي النَّاسِ مَنْ يُطَلِّقُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْخَبَرَ وَأَنَّهُ تَضَمَّنَ أَحَدَ مَعْنَيَيْنِ : إمَّا الْأَمْرُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ مَتَى أَرَدْنَا الْإِيقَاعَ، أَوْ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَسْنُونِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ مِنْهُ.
وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرِ ؛ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ " طَلِّقُوا مَرَّتَيْنِ مَتَى أَرَدْتُمْ الطَّلَاقَ " وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى النَّدْبِ بِدَلَالَةٍ، وَيَكُونُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى وَالتَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَمَسْكُنٌ وَخُشُوعٌ﴾ فَهَذِهِ صِيغَةُ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ.