واعلم أن المراد من الإحسان، هو أنه إذا تركها أدى إليها حقوقها المالية، ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ولا ينفر الناس عنها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٨٤ ـ ٨٥﴾
" فوائد لغوية "
قال ابن عاشور :
و( إمساك ) خبر مبتدأ محذوف تقديره فالشأن أو فالأمر إمساك بمعروف أو تسريح على طريقة ﴿فصبر جميل﴾ [ يوسف : ١٨ ] وإذ قد كان الإمساك والتسريح ممكنين عند كل مرة من مرتي الطلاق، كان المعنى فإمساك أو تسريح في كل مرة من المرتين، أي شأن الطلاق أن تكون كل مرة منه معقبة بإرجاع بمعروف أو ترك بإحسان، أي دون ضرار في كلتا الحالتين.
وعليه فإمساك وتسريح مصدران، مراد منهما الحقيقة والاسم، دون إرادة نيابة عن الفعل، والمعنى أن المطلق على رأس أمره فإن كان راغباً في امرأته فشأنه إمساكها أي مراجعتها، وإن لم يكن راغباً فيها فشأنه ترك مراجعتها فتسرح، والمقصود من هذه الجملة إدماج الوصاية بالإحسان في حال المراجعة، وفي حال تركها، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء، إبطالاً لأفعال أهل الجاهلية ؛ إذ كانوا قد يراجعون المرأة بعد الطلاق ثم يطلقونها دَوَالَيْك، لتبقى زمناً طويلاً في حالة ترك إضراراً بها، إذ لم يكن الطلاق عندهم منتهياً إلى عدد لا يملك بعده المراجعة، وفي هذا تمهيد لما يرد بعده من قوله :﴿ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً الآية.
ويجوز أن يكون إمساك وتسريح مصدرين جعلا بدلين من فعليهما، على طريقة المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله، وأصلهما النصب، ثم عدل عن النصب إلى الرفع لإفادة معنى الدوام، كما عدل عن النصب إلى الرفع في قوله تعالى :{قال سلامٌ﴾
[ هود : ٦٩ ] وقد مضى أول سورة الفاتحة، فيكون مفيداً معنى الأمر بالنيابة عن فعله، ومفيداً الدوام بإيراد المصدرين مرفوعين، والتقدير فأمسكوا أو سرحوا.


الصفحة التالية
Icon