وهن رواية طاوس وغيره ؛ وما كان ابن عباس ليخالف الصحابة إلى رأي نفسه.
قال ابن عبد البر : ورواية طاوس وَهْمٌ وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق والمشرق والمغرب ؛ وقد قيل : إن أبا الصهباء لا يعرف في موالي ابن عباس. قال القاضي أبو الوليد الباجي :" وعندي أن الرواية عن ابن طاوس بذلك صحيحة، فقد روى عنه الأئمة : مَعْمَر وابن جريج وغيرهما ؛ وابن طاوس إمام. والحديث الذي يشيرون إليه هو ما رواه ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب طلاق الثلاث واحدة ؛ فقال عمر رضي الله عنه : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ؛ فلو أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم. ومعنى الحديث أنهم كانوا يوقِعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس الآن ثلاث تطليقات ؛ ويدل على صحة هذا التأويل أن عمر قال : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ؛ فأنكر عليهم أن أحدثوا في الطلاق استعجال أمر كانت لهم فيه أناة ؛ فلو كان حالهم ذلك في أوّل الإسلام في زمن النبيّ ﷺ ما قاله، ولا عاب عليهم أنهم استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة. ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن ابن عباس من غير طريقٍ أنه أفتى بلزوم الطلاق الثلاث لمن أوقعها مجتمعة ؛ فإن كان هذا معنى حديث ابن طاوس فهو الذي قلناه، وإن حمل حديث ابن عباس على ما يتأوّل فيه من لا يُعْبأ بقوله فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الإجماع ؛ ودليلنا من جهة القياس أن هذا طلاق أوقعه من يملكه فوجب أن يُلزَمه، أصل ذلك إذا أوقعه مفرداً".