ولا تدفنني في الفلاة فإنني.. أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
ثم الذي يؤكد هذا التأويل قوله تعالى فيما بعد هذه الآية :﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٨٦﴾
قال الماوردى :
وفي ﴿أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : أن يظهر من المرأة النُّشُوز وسوء الخُلُق، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أن لا تطيع له أمراً، ولا تبرّ له قَسَماً، وهو قول الحسن، والشعبي.
والثالث : هو أن يبدي لسانها أنها له كارهة، وهو قول عطاء.
والرابع : أن يكره كل واحد منهما صاحبه، فلا يقيم كل واحد منهما ما أوجب الله عليه من حق صاحبه، وهو قول طاووس، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، روى ثابت بن يزيد، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله ﷺ " المُخْتِلعَاتُ والمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ ". يعني التي تخالع زوجها لميلها إلى غيره. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ١ صـ ٢٩٤ ـ ٢٩٥﴾
فائدة
قال الجصاص :
وَهَذَا الْخَوْفُ مِنْ تَرْكِ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَيِّئَ الْخُلُقِ أَوْ جَمِيعًا، فَيُفْضِي بِهِمَا ذَلِكَ إلَى تَرْكِ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ فِيمَا أَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُبْغِضًا لِلْآخَرِ فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ حُسْنُ الْعِشْرَةِ وَالْمُجَامَلَةِ، فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ فِي تَقْصِيرِهِ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُهُ وَفِيمَا أَلْزَمَ الزَّوْجَ مِنْ إظْهَارِ الْمَيْلِ إلَى غَيْرِهَا فِي قَوْله تَعَالَى :﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ فَإِذَا وَقَعَ أَحَدُ هَذَيْنِ وَأَشْفَقَا مِنْ تَرْكِ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي حَدَّهَا لَهُمَا حَلَّ الْخُلْعُ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٢ صـ ٩٠﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الشرط هو حصول الخوف للرجل وللمرأة، ولا بد ههنا من مزيد بحث، فنقول : الأقسام الممكنة في هذا الباب أربعة لأنه إما أن يكون هذا الخوف حاصلاً من قبل المرأة فقط، أو من قبل الزوج فقط، أو لا يحصل الخوف من قبل واحد منهما، أو يكون الخوف حاصلاً من قبلهما معاً.
أما القسم الأول : وهو أن يكون هذا الخوف حاصلاً من قبل المرأة، وذلك بأن تكون المرأة ناشزة مبغضة للزوج، فههنا يحل للزوج أخذ المال منها والدليل عليه ما رويناه من حديث جميلة مع ثابت، لأنها أظهرت البغض فجوز رسول الله ﷺ لها الخلع ولثابت الأخذ.
فإن قيل : فقد شرط تعالى في هذه الآية خوفهما معاً، فكيف قلتم : إنه يكفي حصول الخوف منها فقط.