ومن تأمل القرآن حق التأمل تبين له ذلك وعرف أن الطلاق المشروع بعد الدخول هو الطلاق الذي يملك به الرجعة ولم يشرع الله سبحانه إيقاع الثلاث جملة واحدة البتة قال تعالى :﴿الطلاق مرتان﴾ ولا تعقل العرب في لغتها وقوع المرتين إلا متعاقبتين كما قال النبي ﷺ :[ من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبره أربعا وثلاثين ] ونظائره فإنه لا يعقل من ذلك إلا تسبيح وتكبير وتحميد متوال يتلو بعضه بعضا فلو قال : سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربعا وثلاثين بهذا اللفظ لكان ثلاث مرات فقط وأصرح من هذا قوله سبحانه :﴿والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله﴾ [ النور : ٦ ] فلو قال : أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين كانت مرة وكذلك قوله :﴿ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين﴾ [ النور : ٨ ] فلو قالت : أشهد بالله أربع شهادات إنه لمن الكاذبين كانت واحدة وأصرح من ذلك قوله تعالى :﴿سنعذبهم مرتين﴾ [ التوبة : ١٠١ ] فهذا مرة بعد مرة ولا ينتقض هذا بقوله تعالى :﴿نؤتها أجرها مرتين﴾ [ الاحزاب : ٣١ ] وقوله ﷺ :[ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ] فإن المرتين هنا هما الضعفان وهما المثلان وهما مثلان في القدر كقوله تعالى :﴿يضاعف لها العذاب ضعفين﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ] وقوله :﴿فآتت أكلها ضعفين﴾ [ البقرة : ٢٦٥ ] أي : ضعفي ما يعذب به غيرها وضعفي ما كانت تؤتي ومن هذا قول أنس : انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ مرتين أي : شقتين وفرقتين كما قال في اللفظ الآخر : انشق القمر فلقتين وهذا أمر معلوم قطعا أنه إنما انشق القمر مرة واحدة والفرق معلوم بين ما يكون مرتين في الزمان وبين ما يكون مثلين وجزأين ومرتين في المضاعفة فالثاني : يتصور فيه اجتماع المرتين في آن


الصفحة التالية
Icon