أما المسلك الأول وهو انفراد مسلم بروايته وإعراض البخاري عنه فتلك شكاة ظاهر عنك عارها وما ضر ذلك الحديث انفراد مسلم به شيئا ثم هل تقبلون أنتم أو أحد مثل هذا في كل حديث ينفرد به مسلم عن البخاري وهل قال البخاري قط : إن كل حديث لم أدخله في كتابي فهو باطل أو ليس بحجة أو ضعيف وكم قد احتج البخاري بأحاديث خارج الصحيح ليس لها ذكر في صحيحه وكم صحح من حديث خارج عن صحيحه فأما مخالفة سائر الروايات له عن ابن عباس فلا ريب أن عن ابن عباس روايتين صحيحتين بلا شك إحداهما : توافق هذا الحديث والأخرى : تخالفه فإن أسقطنا رواية برواية سلم الحديث على أنه بحمد الله سالم ولو اتفقت الروايات عنه على مخالفته فله أسوة أمثاله وليس بأول حديث خالفه راويه فنسألكم : هل الأخذ بما رواه الصحابي عندكم أو بما رآه ؟ فإن قلتم : الأخذ بروايته وهو قول جمهوركم بل جمهور الأمة على هذا كفيتمونا مؤونة الجواب وإن قلتم : الأخذ برأيه أريناكم من تناقضكم ما لا حيلة لكم في دفعه ولا سيما عن ابن عباس نفسه فإنه روى حديث بريرة وتخييرها ولم يكن بيعها طلاقا ورأى خلافه وأن بيع الأمة طلاقها فأخذتم - وأصبتم - بروايته وتركتم رأيه فهلا فعلتم ذلك فيما نحن فيه وقلتم : الرواية معصومة وقول الصحابي غير معصوم ومخالفته لما رواه يحتمل احتمالات عديدة من نسيان أو تأويل أو اعتقاد معارض راجح في ظنه أو اعتقاد أنه منسوخ أو مخصوص أو غير ذلك من الإحتمالات فكيف يسوغ ترك روايته مع قيام هذه الإحتمالات ؟ وهل هذا إلا ترك معلوم لمظنون بل مجهول ؟ قالوا : وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه حديث التسبيح من ولوغ الكلب وأفتى بخلافه فأخذتم بروايته وتركتم فتواه ولو تتبعنا ما أخذتم فيه برواية الصحابي دون فتواه لطال
قالوا : واما دعواكم نسخ الحديث فموقوفة على ثبوت معارض مقاوم متراخ فأين هذا ؟ !