ثم إن الله تعالى بعد أن حذرهم دعاهم بالرغبة فقال :﴿واذكروا نعمت الله عليكم﴾ فذكرهم بما أنعم عليهم بعد الجاهلية بالإسلام، الذي سماه نعمة كما سماه بذلك في قوله :﴿واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً﴾ [ آل عمران : ١٠٣ ] فكما أنعم عليكم بالإنسلاخ عن تلك الضلالة، فلا ترجعوا إليها بالتعاهد بعد الإسلام.
وقوله :﴿وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة﴾ معطوف على ( نعمة )، وجملة ﴿يعظكم به﴾ حال ويجوز جعله مبتدأ ؛ وجملة ﴿يعظكم﴾ خبراً، والكتاب : القرآن.
والحكمة : العلم المستفاد من الشريعة، وهو العبرة بأحوال الأمم الماضية وإدراك مصالح الدين، وأسرار الشريعة، كما قال تعالى، بعد أن بين حكم الخمر والميسر ﴿كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة﴾ [ البقرة : ٢١٩، ٢٢٠ ] ومعنى إنزال الحكمة أنها كانت حاصلة من آيات القرآن كما ذكرنا، ومن الإيماء إلى العلل، ومما يحصل أثناء ممارسة الدين، وكل ذلك منزل من الله تعالى بالوحي إلى الرسول ﷺ ومن فسر الحكمة بالسنة فقد فسرها ببعض دلائلها.
والموعظة والوعظ : النصح والتذكير بما يلين القلوب، ويحذر الموعوظ.
وقوله :﴿واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم﴾ تذكير بالتقوى وبمراعاة علمهم بأن الله عليم بكل شيء تنزيلاً لهم في حين مخالفتهم بأفعالهم لمقاصد الشريعة، منزلة من يجهل أن الله عليم، فإن العليم لا يخفى عليه شيء، وهو إذا علم مخالفتهم لا يحول بين عقابه وبينهم شيء، لأن هذا العليم قدير. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٢٥﴾
قال أبو حيان :