قال ابن عاشور :
قوله تعالى :﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾
انتقال من أحكام الطلاق والبينونة ؛ فإنه لما نهى عن العضل، وكانت بعض المطلقات لهن أولاد في الرضاعة ويتعذر عليهن التزوج وهن مرضعات ؛ لأن ذلك قد يضر بالأولاد، ويقلل رغبة الأزواج فيهن، كانت تلك الحالة مثار خلاف بين الآباء والأمهات، فلذلك ناسب التعرض لوجه الفصل بينهم في ذلك، فإن أمر الإرضاع مهم، لأن به حياة النسل، ولأن تنظيم أمره من أهم شؤون أحكام العائلة.
واعلم أن استخلاص معاني هذه الآية من أعقد ما عرض للمفسرين.
فجملة ﴿والوالدات يرضعن﴾ معطوفة على جملة ﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن﴾ [ البقرة : ٢٣٢ ] والمناسبة غير خفية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٢٩﴾
قال الفخر :
اعلم أن في قوله تعالى :﴿والوالدات﴾ ثلاثة أقوال
الأول : أن المراد منه ما أشعر ظاهر اللفظ وهو جميع الوالدات، سواء كن مزوجات أو مطلقات، والدليل عليه أن اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه.
والقول الثاني : المراد منه : الوالدات المطلقات، قالوا : والذي يدل على أن المراد ذلك وجهان
أحدها : أن الله تعالى ذكر هذه الآية عقيب آية الطلاق، فكانت هذه الآية تتمة تلك الآيات ظاهراً، وسبب التعليق بين هذه الآية وبين ما قبلها أنه إذا حصلت الفرقة حصل التباغض والتعادي، وذلك يحمل المرأة على إيذاء الولد من وجهين
أحدهما : أن إيذاء الولد يتضمن إيذاء الزوج المطلق
والثاني : أنها ربما رغبت في التزوج بزوج آخر، وذلك يقتضي إقدامها على إهمال أمر الطفل فلما كان هذا الاحتمال قائماً لا جرم ندب الله الوالدات المطلقات إلى رعاية جانب الأطفال والاهتمام بشأنهم، فقال :﴿والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن﴾ والمراد المطلقات.


الصفحة التالية
Icon