قرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتيبة عن الكسائي ﴿لاَ تُضَارَّ﴾ بالرفع والباقون بالفتح، أما الرفع فقال الكسائي والفراء إنه نسق على قوله :﴿لاَ تُكَلَّفُ﴾ قال علي بن عيسى : هذا غلط لأن النسق بلا إنما هو إخراج الثاني مما دخل فيه الأول نحو : ضربت زيداً لا عمراً فأما أن يقال : يقوم زيد لا يقعد عمرو، فهو غير جائز على النسق، بل الصواب أنه مرفوع على الاستئناف في النهي كما يقال : لا يضرب زيد لا تقتل عمراً وأما النصب فعلى النهي، والأصل لا تضار فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين، يقال : يضارر رجل زيداً، وذلك لأن أصل الكلمة التضعيف، فأدغمت إحدى الراءين في الأخرى، فصار لا تضار، كما تقول : لا تردد ثم تدغم فتقول : لا ترد بالفتح قال تعالى :﴿ياأيها الذين ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾ [ المائدة : ٥٤ ] وقرأ الحسن :﴿لاَ تُضَارَّ﴾ بالكسر وهو جائز في اللغة، وقرأ أبان عن عاصم ﴿لاَ تُضَارر﴾ مطهرة الراء مكسورة على أن الفعل لها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٠٣﴾
فائدة أخرى
قال العلامة الجصاص
قَوْله تَعَالَى :﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾
فِي الآية دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِ الْوَلَدِ مَا دَامَ صَغِيرًا، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ بَعْدَمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحَضَانَةِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْأُمِّ بَعْدَ الرَّضَاعِ كَهِيَ قَبْلَهُ، فَإِذَا كَانَتْ فِي حَالِ الرَّضَاعِ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ غَيْرَهَا عَلِمْنَا أَنَّ فِي كَوْنِهِ عِنْدَ الْأُمِّ حَقًّا لَهَا ؛ وَفِيهِ حَقٌّ لِلْوَلَدِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الْأُمَّ أَرْفَقُ بِهِ وَأَحْنَى عَلَيْهِ.


الصفحة التالية
Icon