وفي " المدونة" : عن ابن وهب عن الليث عن خالد بن يزيد عن زيد بن أسلم في قوله تعالى :﴿لا تضار والدة بولدها﴾ الآية " يقول ليس لها أن تلقي ولدها عليه ولا يجد من يرضعه، وليس له أن ينتزع منها ولدها، وهي تحب أن ترضعه" وهو يؤيد ما ذكرناه.
وقيل : الباء في قوله :﴿بولدها وبولده﴾ باء الإلصاق وهي لتعدية ﴿تضار﴾ فيكون مدخول الباء مفعولاً في المعنى لفعل ﴿تضار﴾ وهو مسلوب المفاعلة مراد منه أصل الضر، فيصير المعنى : لا تضر الوالدة ولدها ولا المولود له ولده أي لا يكن أحد الأبويين بتعنته وتحريجه سبباً في إلحاق الضر بولده أي سبباً في إلجاء الآخر إلى الامتناع مما يعين على إرضاع الأم ولدها فيكون في استرضاع غير الأم تعريض المولود إلى الضر ونحو هذا من أنواع التفريط. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٣٣ ـ ٤٣٤﴾
سؤال : فإن قيل : لم قال ﴿تُضَارَّ﴾ والفعل لواحد ؟.
قلنا لوجوه أحدها : أن معناه المبالغة، فإن إيذاء من يؤذيك أقوى من إيذاء من لا يؤذيك والثاني : لا يضار الأم والأب بأن لا ترضع الأم أو يمنعها الأب وينزعه منها والثالث : أن المقصود لكل واحد منهما بإضرار الولد إضرار الآخر، فكان ذلك في الحقيقة مضارة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٠٤﴾
فائدة
قوله :﴿لاَ تُضَارَّ والدة بِوَلَدِهَا﴾ وإن كان خبراً في الظاهر، لكن المراد منه النهي، وهو يتناول إساءتها إلى الولد بترك الرضاع، وترك التعهد والحفظ. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٠٤﴾
وقوله :﴿وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ﴾ يتناول كل المضار، وذلك بأن يمنع الوالدة أن ترضعه وهي به أرأف وقد يكون بأن يضيق عليها النفقة والكسوة أو بأن يسيء العشرة فيحملها ذلك على إضرارها بالولد، فكل ذلك داخل في هذا النهي والله أعلم.
أهـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٠٤﴾
قال العلامة الجصاص


الصفحة التالية
Icon