ولما كانت إباحة الرجعة في آخر العدة دالة على إباحتها فيما قبل ذلك بطريق الأولى وكان من المقطوع به عقلاً أن لما بعد الأجل حكماً غير الحكم الذي كان له قبله لم يكن التعبير بالبلوغ ملبساً وكان التعبير به مفيداً أقصى ما يمكن به المضارة فقال :﴿فبلغن أجلهن﴾ أي شارفن انقضاء العدة، بدليل الأمر بالإمساك لأنه لا يتأتى بعد الأجل. وقال الحرالي : ولما كان للحد المحدود الفاصل بين أمرين متقابلين بلوغ وهو الانتهاء إلى أول حده وقرار وهو الثبات عليه ومجاوزة لحده ذكر سبحانه وتعالى البلوغ الذي هو الانتهاء إلى أول الحد دون المجاوزة والمحل، والأجل مشارفة انقضاء أمد الأمر حيث يكون منه ملجأ الذي هو مقلوبه كأنه مشارفة فراغ المدة - انتهى ﴿فأمسكوهن﴾ أي بالمراجعة إن أردتم ولو في أخر لحظة من العدة ﴿بمعروف﴾ أي بحال حسنة تحمد عاقبتها، ونكره إشعاراً بأنه لا يشترط فيه رضى المرأة ﴿أو سرحوهن بمعروف﴾ بأن تتركوهن حتى تنقضي العدة فيملكن أنفسهن من غير تلبيس بدعوى ولا تضييق في شيء من الأشياء.
وقال الحرالي : هذا معروف الإمتاع والإحسان وهو غير معروف الإمساك، ولذلك فرقه الخطاب ولم يكن : فأمسكوهن أو سرحوهن بمعروف - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٣٥ ـ ٤٣٦﴾
سبب نزول الآية
قال أبو حيان :
نزلت في ثابت بن بشار، ويقال أسنان الأنصاري، طلق امرأته حتى إذا بقي من عدّتها يومان أو ثلاثة، وكادت أن تبين راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها حتى مضت سبعة أشهر مضارّة لها، ولم يكن الطلاق يومئذ محصوراً.
أهـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢١٧﴾